الدكتور محمد ولد المنير يكتب : من أجل تجاوز القراءات العرقية

أربعاء, 30/04/2025 - 14:55

يوجد بلدنا في وضع سيّئ. سيئ جدا. نحن اليوم، أكثر من أي وقت مضى، أسرى لعدسة عرقية عمياء، نعتمد من خلالها، بشكل منهجي وهوسي، على مرجعية قِوامها لون البشرة، أو على ما يُفترض أنها "شرائح" عرقية. لقد أصبحت هذه الزاوية في التحليل مهيمنة، نميل من خلالها إلى تفسير كل الظواهر الاجتماعية والسياسية.

 

فلا يكاد أي عمل إداري أو أي قرار سياسي يفلت من هذا المنطق التبسيطي. إنها قراءة عرقية صارمة تشلُّ النقاش وتُقوّض فرص إيجاد حلول واقعية للاستقطابات المختلفة التي تحمل في طياتها الكثير من الريبة.

 

ورغم وجود آفاق واعدة لتنمية متسارعة، بفضل النمو الاقتصادي واستغلال الموارد النفطية، فإننا ما نزال نرزح تحت هشاشات بنيوية يمكن، إن لم نحتط لها، أن تُقوّض الاستقرار واللحمة الوطنية (بطالة واسعة بين الشباب، هجرة منظمة، تهديدات إقليمية). لكن الأخطر من ذلك، هو كل تلك الخلافات التي تُغذي التصلب الهوياتي، وتُشعل أزمات سياسية واجتماعية من شأنها أن تضرّ بالاستقرار والوحدة الوطنية.

 

الهشاشة البنيوية

 

لقد حذرنا من الخطاب المتهور القائم على المزايدات والمروّج له من قبل دعاةُ الانفصال العرقي، والذي تجسدت نتيجته اليوم في هذا التقوقع المجتمعي والانكفاء الهوياتي  الغريب، من خلال باقة تحليلات تبسيطية ومانوية، تُحوّل أي فعل فردي إلى تمييز مؤسسي، ثم إلى مسؤولية جماعية.

 

من خلال تصنيف الموريتانيين على أساس انتمائهم العرقي أو لون بشرتهم، ومن خلال اختزال التناقضات الاجتماعية في صراع عرقي مزعوم، والترويج لمؤازرات ميكانيكية على حساب الشعور بالانتماء الوطني، فإن هذا الخطاب غير الديمقراطي يغذي نيران الخلاف. وسينتهي به الحال إلى تأليب الموريتانيين بعضهم على بعض، معززا بذلك منطق المواجهة الحامل في طياته للصراعات الأخوية القادرة على جر البلاد نحو الفوضى.

 

إن هذا التوجه الذي يُرجِع كل شيء إلى تمييز مؤسسي، يصبّ بشكل كبير في البعد الرمزي من خلال تبسيط المشاكل، المعقدة بالضرورة، ومن ثم يختزلها في أبعاد سطحية أو انتماءات عرقية، بدلًا من محاولة فهم وتحليل التحديات البنيوية والاختلالات والمشاكل التي يواجهها هذا القطاع أو ذاك بغية اقتراح حلول مناسبة. ومن هنا تنبع هذه النزعة إلى التنديد الممنهج الخالي من أية دقة، وإلى تفسير كل شيء من خلال عدسة التمييز، في ظل غياب ما يمكن قوله حول البقية، كما لو أن أية عقلانية  لا يمكن أن توجد خارج هذا المنظور. ومع ذلك، لا يمكن اختزال كل شيء في بلدنا في بُعد تمييزي فقط.

 

بأسلوب أيسط، ما الذي سيسهم به استقطاب وزراء أو مدراء إضافيين، منحدرين من المجتمع الزنجي الإفريقي، في حل المشكلات اليومية التي يعاني منها السكان الفقراء في الضفة؟ وما الذي حققته ترقية جنرالات البيظان في الجيش من تحسين في ظروف عيش السكان البيظان المحرومين في أعماق الحوضين أو في ولاية الترارزة؟ وماذا غيّر تعيين وزراء أُوّل ووزراء من الحراطين في حياة سكان آدوابه؟

 

العقبة أمام الحوار

 

في الواقع، فإن هذه القراءات الثنائية التي تنتشر بشكل خاص على وسائل التواصل الاجتماعي، تشكل عائقًا أمام أي حوار بنّاء. وفي ظل هذه الظروف، يجب علينا جميعًا أن نتصدى لهذا الإرهاب الفكري الذي يسعى إلى فرض قراءة عرقية لمشكلات موريتانيا. ويجب أن نوجّه عملنا أكثر في اتجاه سِجل من المطالبة بالحقوق، وتعزيز مفهوم المواطنة الذي يقوم على مساواة الجميع أمام القانون، وتقوية أواصر الانتماء إلى الدولة على حساب الولاءات المجتمعية الضيقة.

 

فيما يتعلق بالحكومة، ينبغي عليها أن تتحرك بسياسات طموحة وطوعية وبالحجم المطلوب، مع توفير الوسائل اللازمة لذلك، من أجل تعزيز دولة القانون، وتقليص الفوارق الاجتماعية، وضمان توزيع أكثر عدالة للثروات. كما يتوجب عليها مكافحة الفساد والفقر، ومحاربة الإقصاء والظلم والتعسف والتمييز بجميع أشكاله... وهي كلها مظاهر تمس غالبية الموريتانيين دون تمييز، بغض النظر عن انتماءاتهم المجتمعية.

 

وأخيرًا، فإن الحوار المرتقب يمكن أن يساعد في تجاوز القراءات العرقية، ليس من خلال إنكارها، بل من خلال تقديم حلول خلاقة وتوافقية. كما يمكن أن يسهم في معالجة الأسباب الآنية والبنيوية للخلافات، من أجل بلورة مقترحات إصلاحية قادرة على الاستجابة لها. وقد يساعد أيضًا في تطبيع الحياة السياسية الوطنية، من خلال التوصل إلى توافق وطني حول قواعد اللعبة السياسية وسبل حل الخلافات العالقة (مثل ملف الإرث الإنساني، والعبودية...). وليس الهدف بالضرورة هو حل جميع التحديات بشكل فوري، بل إن الهدف يكمن في وضع آليات لمعالجتها، في إطار مقاربة توافقية تعزز المصالحة الوطنية.

محمد ولد المنير

دكتور في العلوم السياسية

خبير دولي في التنمية

موظف سابق في الأمم المتحد

تصفح أيضا...